خرافات اخرى...هل هذا معقول؟

بسم الله الرحمن الرحيم

في اطار النقاش الجاري في المنتدى،وفي اطار التفاعل الثنائي مع بعض الاصدقاء والاخوة،
استوقفتني مجموعة من القضايا اهمها حرية الاعلام بالتقسيط وقضية التعددية في الاعلام
والخلط بين العمل النقابي وحرية الاعلام..
حرية الاعلام بالتقسيط
المجتمعات البشرية الحية هي تلك المجتمعات التي تتطور في مسار تصاعدي يربط الماضي بالحاضر
وفق منطق النمو الطبيعي للاشياء دون ان تتخللها فترات قطيعة تعود معها الى نقطة الصفر..
فالجمود والركود يؤديان الى الاحتقان ثم الى الانفجار في نهاية المطاف..
في المغرب كما صرح احد ضيوف برنامج قضايا واراء هناك مراجعة مستمرة للانجازات التي تحققت
للوقوف عند الايجابيات والتخلص من السلبيات في اطار منهجية توافقية تشاركية،والاعلام الوطني
لا يشذ عن هذه القاعدة حيث عرف تحولات كبرى يحاول الكثيرون اللحاق بركبها مثلا:
-رفع الدولة ليدها بشكل مباشر عن الاعلام ..
-تاسيس الهاكا.
-العمل وفق منهجية ددفاتر التحملات،وللاشارة تابعت نقاشا على احد القنوات يطالب
بارساء هذا التوجه في الاعلام هناك..
ولاننا نحاول التعامل مع اعلامنا وفق منطق نقدي موضوعي،لابد من الاقرار بكون
الفترة الانتقالية طيلة الشرية الاخيرة كانت محدودة النتائج ربما كما ورد في برنامج امس
على الاولى تبقى بعض الاجراءات صورية لتاثيث المشهد الاعلامي الوطني لاغير
او ربما لوجود جيوب مقاومة تريد احتكار الشان الاعلامي لنفسها وتنزعج من خطوات
التحرير خوفا على مصالحها..او ربما لعدم امتلاك القائمين على اعلامنا في الهاكا والقنوات
والاذاعات الجرأةالكافية وروح الابداع لاستغلال ما تتيحه القوانين من هوامش التحرك..
لكن رغم ذلك فتواجد الترسانة القانونية والمؤسسات المصاحبة في حد ذاتها
امر ايجابي ،ففي اطار النفس الجديد الذي يعرفه اعلامنا هذه الايام في مجال الجرأة وحرية
التعبير(تابعوا برنامج قضايا واراء او مباشرة معكم في هذه الاثناء او برامج ميدي 1 تي في
او النشرات الاخبارية) وفي اطار الاصلاحات الدستورية الثورية المعلن نها،لا ينقص
اعلامنا الا تفعيل قوانين موجودة وتنشيط عمل الهاكا وحمايتها من اللوبيات وجيوب المقاومة
ليحصل التغيير الذي نتحدث عنه في اطار الاستمرارية،ولتوسيع هامش عمل هذه المؤسسة بالاشراف
المباشر وبفعالية اكبر على اعلامنا الوطني..
ان الحديث عن الحرية باقساط خرافة اخرى تم ابتداعها ،وهذا التقسيط في الواقع ليس بعيب وانما
يدل على ذكاء شعب و وعي امة تنتقل بثبات وبثقة نحو المستقبل وتنتبه لمخاطر الاعطاب
قبل حصولها وقبل ان تتوقف العجلة عن الدوران لنعود في كل مرة الى نقطة الصفر..
ليتهم عيروا هذا الاعلام و هذا البلد بما هو عار.
الخلط بين العمل النقابي وحرية الاعلام :خرافة وغباء
في الماضي كان الاعلام المغرض يلتقط الحراك الاجتماعي في البلاد وكثرة الاحتجاجات
للتشهير بالبلاد وتشويه سمعتها فيما يخص الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية:واليوم
وما اشبهه بالامس هناك من يخلط ببلادة بين الحراك الاجتماعي في قنواتنا وبين حرية
الاعلام..والجميع يتناسى ان هذا الصراع والحراك دليل قوة وحركية هذا الشعب
وتمتعه بهامش حريات لا تكتم انفاسه الى حد الاختناق وبالتالي الانفجار...وقد تابعنا بعد
الانفجار ان الاوضاع في بعض المؤسسات اكثر بؤسا وسوءا ..
قد يقول احدهم ان المحتجين على مؤسساتنا يتدخلون في الادارة ويطالبون بتغييرها
،ولكن من خلال تجاربنا في الحركة النقابية نود الاشارة الى ان كل طرف في الصراع
يحاول توظيف كل الاوراق والملفات للضغط والمساومة وتحصيل اعلى سقف من المكاسب
وعندما تتحقق الحقوق المادية والاجتماعية للمستخدمين ستختفي الكثير من المطالب
التي تبقى تكتيكية لا غير..هادي هي السياسة والعمل القابي.
الاعلام المتعدد:خرافة اخرى
هناك خلط كبير بين تعدد وسائل الاعلام وفق خط تحريري واحد تم تحديده وتفصيله سلفا
على المقاس وتتضح معالمه جيدا من خلال تشابه كبير في شبكة البرامج ونوعيةمضامينها
وبين تعددية تنطلق من تعدد خطوط التحرير والايديولوجيات...باختصار هناك فريق بين التعددية
من حيث الشكل وهذا النوع تم اجترار الحديث فيه والتطبيل له الى حد الملل ولاباس بالتذكير بكون
اعلامنا السمعي البصري الاكثر تعددا من حيث عدد القنوات الاذاعية والتلفزيونية والاكثر تنوعا
بوجود قنوات موضوعاتية رياضية وامازيغية وثقافية تربوية..الخ..
وهناك تعدد من حيث المضمون وسياسات القنوات التحريرية، من الواضح
ان هذا هو الرهان المقبل لاعلامنا الوطني ،خصوصا وان مجتمعنا ناضج بما فيه الكفاية
ولدينا تقاليد راسخة ومتجذرة في ميدان التعددية السياسية ومجتمع مدني قوي وقوانين تسمح
بهامش كبير من الحرية في التعبير والحق في الاختلاف...
وقد سبق لي ان تحدثت في موضوع سابق عن واقع الاعلام الوطني عندما وصفته بحرية اعلامية
مع وقف التنفيذ حيث هناك بعض الاختلال في التوازن وسرعة التطور بين الاذاعات والتلفزيون ،
فالقطاع الاذاعي سمح فيه بولوج القطاع الخاص وبتعددية الخطوط التحريرية ،في حين بقي
تحول التلفزيون وتطوره بطيئا رغم كوننا الاكثر تاهيلا في خوض تجربة ادماج الخواص
في القطاع ولنا تجارب سابقة.ان المشهد والمناخ اللذان عرفا تطورا متسارعا وتطورا مطردا
للاذاعات التي اصبحت عبارة عن مجموعات كبرى بامكانهما استيعاب نفس التحولات في ميدان التلفزيون.
يمكن القول ان رهانات جودة المضمون والتعددية وتحقيق مزيد من الحرية في الاعلام في متناولنا
في البلاد فالمشاريع جاهزة لانه كانت لدينا دائما خلايا تفكير ومناظرات وحوارات تخضع
واقع القطاع للمساءلة والدرس والتحليل ،ولان لدينا ارضية سليمة وصلبة يمكن مواصلة
البناء عليها دون حاجة الى الهدم والردم فوق رؤوس الجميع .
*حكمة:
ليس اليتيم الذي قد مات والده ان اليتيم يتيم العلم والادب