تحياتي لمن دمر حياتي
كنت عائدة من عملي عندما لمحت سيدة عجوز على الناصية ... تبكي بحرقة ... ملابسها الرثة توحي على فقرها ... اقتربت منها وسالتها : "مابك يا عمة ؟؟؟ ... تراك جائعة ... أ لهذا تبكين ... ؟؟؟ " ...قاطعتني بصوت مهترئ قد اعياه الدهر : " ... وهل اعتدت البكاء على جوعك ...؟؟؟ ... انا ابكي جراحي التي استحضرها... في كل لحظة ... جمر لم يخمد فحمه مذ امد بعيد ... " احسست بالفضول يجتاحني ... يناجي في حب الاستطلاع ...اقتربت منها وجلست بمحاداتها ... وقبل ان اهم بسؤالها .... نظرت الي ثم الى السماء وتنهدت ... ثم قالت :
" نزل علي الخبر كالصاعقة ... "مبروك انت حامل في شهرك التاني" لازال صدى كلمات الممرضة يتردد على مسمعي ... احاول لملمة شتاة افكاري ... واستيعاب الموقف ... احاول الاستيقاظ من هذا الكابوس ... تحسست بطني والدموع تغمر مقلتي ... وقلت بصوت مختنق : " هل انت متاكدة ؟؟؟ " اجابتني الممرضة ببشاشة : " اجل يا سيدتي ... فاستعدي انت وزوجك لاستقبال هذا المولود ...و حاولي بدءا من اليوم ان تستريحي قدر الامكان ... ولا تنسي ان تتغدي جيدا ... " قاطعتها في تردد : " ألا مجال لاسقاطه ؟؟؟ ... اعني في حالة ما إذا اردت اجهاضه ... " اجابتني الممرضة والغضب يعلوا محيياها : " الاجهاض حرام في ديننا الاسلامي ... اعتقدتك محترمة ومتزوجة ... اتصلي بوالد طفلك وحاولي تسوية الوضع ... " رمقتني باحتقار وتابعت : " اعتذر لدي عمل كثير اقوم به ... وداعا ..." رسمت ابتسامة حزينة اداري بها يأسي وتمتمت : " شكرا لك يا انسة ... " وابتعدت الممرضة ... في حين ظللت متسمرة في مكاني استحضر وقائع تلك الليلة المشؤومة ... كانها امس ... بينما كنت عائدة من حصة الدروس الليلية ... احببت اختصار الطريق لاجد نفسي تائهة في احدى اخطر الاحياء الشعبية بالمدينة ... وسط ذئاب بالكاد تفهم معنى الانسانية ... الرحمة ... الشفقة ... هناك حيث اغتصبت مني طفولتي وبرائتي فاخترت كتمان الامر والمضي في حياتي ... كنت اعلم جيدا ان لا احد سينصفني ... بدءا باسرتي البسيطة المحافظة ... والتي تقدس الشرف وتبروزه كحلي على صدور افرادها ... انتهاءا بالمجتمع الذي لا يرحم ولا يغفر ... اخترت كتمان الامر متناسية عواقبه التي بدات بالظهور ... ماذا عساي افعل ؟؟؟ ... أوأخبر والدي بالامر ؟؟؟ ... سيقتلانني ويغسلان هذا الخزي والعار الذي الحقته بهما ... ماذا عن والد طفلي المنتظر ؟؟؟ بالكاد اتذكر وجهه ... وابل من الهواجس يأتي على افكاري ...
وعدت الى المنزل ...كالعادة ... والدي قابع على الاريكة هناك ... يشاهد نشرة اخبار الظهيرة... في حين تحضر امي الغداء في المطبخ ... اما اخوتي الصغار فكعادتهم يركضون هنا ... وهناك ... يخربون اثات المنزل ... هممت بالدخول الى غرفتي ... فجاة ... اقترب مني والدي "اين كنت ؟؟؟ ... ماذا سيقول عنك الجيران ... عندما يرونك عائدة من المدرسة متأخرة بساعة ... ؟ ؟؟ " ... اجبته في تلعثم وعلامات الخوف تعلوا وجهي : " لقد ... لقد كنت ازور صديقتي للاطمئنان عليها ... تغيبت عن المدرسة مند الاسبوع الماضي ... " يتعالى صوت امي من المطبخ : " دع الفتاة وشئنها ... مالعيب في ان تاخرت قليلا لعيادة صديقتها المريضة ... " في حين ظل والدي يرمقني بعينين جاحظتين ... : " حسنا ... حسنا اذهبي وغيري ملابسك وحضري السفرة ... " يعود الى اريكته ويواصل مشاهدة التلفاز ... في حين ركضت انا باتجاه غرفتي ...
... دخلت والدموع تنهمر من عيني ... ضياع رهيب ينهش كياني ... احسست بالذنب يتاكلني ... بالكاد اقوى على حمل عبئه الثقيل ... عبئ سيولد قريبا ... وسيصبح وصمة عار لن يغفرها لي احد ... من سيصدق مراهقة طائشة ... من سيصدق قصة الاعتداء ... من ... ومن ... ومن ... ضاق صدري من هذه الهواجس ... واحسست بالدنيا تضيق ... وتضيق علي ... الى ان باتت حبلا يحوم حول رقبتي ... ففكرت في الانتحار ... " ....
يتبع
للكاتبة :
Mînà Môûslîmâ
ملاحظة: كل يوم راح احط جزء من القصة